لم
يكن سلاما، ولا حتى شبه سلام.. فدولة الاحتلال طوال 30 عاما تتعامل مع مصر
باعتبارها عدوا يجب القضاء على قوته بكل السبل، والشواهد على ذلك كثيرة
ودامغة.. نظرة واحدة على ملف التجسس الإسرائيلي على مصر تؤكد أن الحرب
مازالت قائمة ولكن بأساليب أخري، وهي تؤكد في الوقت ذاته أن أجهزة الأمن
المصرية مازالت واعية لما يمثله الخطر الصهيوني، على الرغم من كلمات مظاهر
التعاون القائمة على أرض الواقع.
وكانت
أجهزة الأمن المصرية قد تمكنت في عام 1982 من الكشف عن أول جواسيس عهد
السلام وهو عامر سلمان، الذي ظل يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية أكثر من
10 سنوات حتى ضبط وحكمت عليه محكمة العريش بالسجن مدي الحياة.
وفي
بداية عقد التسعينيات فجرت المخابرات المصرية قضية الإسرائيلية فائقة
مصراتي ووالدها اللذين كانا يتستران بممارسة الدعارة للحصول على معلومات
عن الأوضاع في مصر.
وخلال نظر القضية أمام محكمة أمن الدولة العليا،
قامت مصراتي ووالدها بسب المسئولين المصريين، بل إن الأب تعمد إهانة هيئة
المحكمة بخلع ملابسه أمام الجميع والتبول في القاعة قبل أن يبصق في اتجاه
القضاة.
الأمر المثير هو قيام السلطات المصرية بترحيل الجاسوسين إلي
دولة الاحتلال قبل صدور الحكم، دون إعلان عن الأسباب الحقيقية لهذا القرار
علما بأن شائعات انتشرت في تلك الفترة عن صفقة متبادلة بين مصر ودولة
الاحتلال في مجال الاستخبارات.
وخلال التسعينيات واصلت دولة الاحتلال
حرب التجسس على مصر، ومن ذلك قضية الجاسوس عبدالمنعم عبدالملك الذي حكم
عليه بالسجن المؤبد في مطلع عام 1996.
وكان عبدالملك رقيبا متطوعا
بالبحرية المصرية، وأحيل للتقاعد في عام 1978 وسافر قبل عامين من تاريخ
القبض عليه للعمل في دولة الاحتلال، فجنده الموساد وحدد مهمته في جمع
معلومات عسكرية. هناك أيضا قضية الشاب سمير عثمان، الذي ذهب إلي دولة
الاحتلال بحثا عن فرصة عمل، فاصطاده الموساد وجنده للعمل ضد بلده، وحسبما
ذكر سمير في اعترافاته لأجهزة الأمن المصرية فإنه كان يجمع المعلومات عبر
السباحة لمسافة 500 متر أسفل مياه خليج السويس بين طابا المصرية ودولة
الاحتلال.
وفي وقت لاحق أدي الكشف عن قضية الجاسوس المصري عماد
عبدالحميد إسماعيل إلي الإيقاع بالجاسوس الشهير عزام عزام الذي كان يعمل
مديرا لمصنع إسرائيلي مصري مشترك للنسيج في القاهرة.
وتعتبر قضية عزام
عزام نموذجا واضحا لاستخدام دولة الاحتلال الأنشطة الاقتصادية كستار
للتجسس على مصر من خلال تجنيد بعض ضعاف النفوس لجمع المعلومات عن الأوضاع
في مصر.
ورغم محاولات دولة الاحتلال طي صفحة القضية في مهدها
والإفراج عن عزام، فإن محكمة مصرية أصدرت في 21 أغسطس عام 1997 حكما
بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما في حق عزام، والأشغال الشاقة المؤبدة بحق
شريكه المصري عماد إسماعيل والإسرائيليتين الهاربتين زهرة يوسف جريس، ومنى
أحمد شواهنة، علما بأن السلطات المصرية أفرجت لاحقا عن عزام في تطور غير
مفهوم.
على صعيد آخر، أثبتت دولة الاحتلال طوال عقود السلام أن
طبيعتها العدوانية أقوى من أي اتفاق، ففي كثير من الأحيان تم استخدام وصف
'العدو الجنوبي' في الإشارة إلى مصر، بل إن بعض المسئولين هددوا بضرب السد
العالي ولقوا تعاطفا من الرأي العام الصهيوني.
في نهاية أكتوبر
الماضي مثلا شن زعيم حزب 'إسرائيل بيتنا' أفيجدور ليبرمان الذي تولى وزارة
الخارجية في الحكومة الجديدة، هجوما على مصر والرئيس مبارك، وأطلق تصريحات
قال فيها: 'إن مبارك لم يزر دولة الاحتلال، وإن لم يزرها فليذهب إلى
الجحيم' ثم عاد واتهم مصر بالاستعداد لشن حرب ضد دولة الاحتلال.
وفي
بداية العام الماضي كان وزير الخارجية أحمد أبوالغيط هدفا للهجوم، فقد
نشرت صحيفة 'معاريف' وثيقة بثها موقع 'روتر' الإسرائيلي أوصت فيها وزيرة
الخارجية تسيبي ليفني حكومتها بتقليص التعاون مع أبوالغيط بزعم أنه غير
موضوعي ومتطرف.
ومن بين أمثلة الإساءة لمصر دعوة أفيجدور ليبرمان - الذي كان عضوا في الحكومة في فبراير 2001 - إلي تدمير السد العالي وإغراق مصر.
وخلال
فترة توهج العلاقة بين البلدين في منتصف التسعينيات تسربت وثيقة من وزارة
الخارجية التي كان يتولاها شيمون بيريز عنوانها 'وثيقة عقاب مصر'، تضمنت
نصائح للحكومة بدراسة إجراءات لعقاب مصر على مواقفها الداعمة للفلسطينيين
والسوريين في عملية السلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة الأسبوع